الأحد، 22 ديسمبر 2013

الموافقات للفراج

الموافقات..
by محمد بن أحمد بن عبدالعزيز الفراج

هذا باب من الحياة لطيف، وحديث على المسامر خفيف، حصل لكل واحد منا لاجرم، ووقع له ما يستطرفه القلم، من موافقات اللقاءات، وتحف الصدف، وعجائب الغرائب، ما يستحق الرواية، ويستآهل الحكاية، ولو لتسلية القارئ، وإزاحة الهم الطارئ، ولقد رأيت لذلك بابا معقودا في موقع أهل الحديث، فاستهواني الحديث، فأقول من ذلك ضربان:

الأول ما وقع لي من هذه الموافقات، ومن ذلك:

الحكاية الأولى:

كنت في الحرم المكي حرسه الله قبل سنين منتظرا الإشراق وإلى جواري ابني أحمد، وبقربي أخ مصري أشبه شيئ بأحد زملائي القدامى لذلك كنت أسارقه النظر بين الفينة والفينة، ويبدو أنه فطن لذلك، فصار يسارقني كذلك ، ثم افتعل مناسبة للحديث، فسأل: متى تشرق الشمس اليوم؟ فأجبته، وبعد الركعتين، تحدثنا، وقلت لأزيل استغرابه، وأبرر فضولي: كم أنت قوي الشبه بأحد الأعزاء علي؛ لذلك أحببتك! قال: لا أصلا حصل انجذاب بين روحينا فلذلك جئت أنت وجئت أنا من بلدينا ثم من سكنينا، وشرع يشرح مقامات السادة على الطريقة الصوفية التي فهمت أنه متأثر بها، فما أحببت أن يتمادى  قلت: أبدا محض القدر، المهم فهمت أنه تاجر كبير في مصر وأنه تردد على مكة عشر مرات، فدعوته إن جاء الرياض للزيارة، وأخيرا قلت: ما تعرفنا، فما الاسم الكريم ، قال : محمد باللهجة المصرية فتح الميمين! قلت محمد أيش؟ قال: محمد فراج، فتبسمت، واستغرب، وقلت: أيش؟ فكرر بلهجة أوضح وأحزم: محمد أحمد فراج، وهنا عقدت الدهشة لساني، وقلت: إن قلت له: إن اسمي الثلاثي محمد أحمد الفراج؛ كذّبني، وناديت ابني الصغير، وقلت: أيش اسمي الثلاثي، قال: كذا، وقلت: خشيت إن قلت لك إن هذا اسمي اتهمتني بالكذب، قال: أبدا ولا كذب ولا غرابة ولا حاجة، أنا ما قلت لك إن بين روحينا سرا وانجذابا وأنت ما نتاش مقتنع.

الحكاية الثانية:

لما كنت إمام جامع الخالدية ارتبطت بموعد مع فهيد السبيعي أحد طلابي لنذهب إلى رماح لمحاضرة، وواعدته يصلي معي العصر، وحصل لي شغل تطلب صلاتي في حي آخر وخلفت العم سليمان أبا نمي على المسجد وأفهمته إذا جاء فهيد السبيعي أن يصحبه إلى أول محطة على طريق خريص وينتظرانني وذكرت له صفات الرجل، ولما التقينا في المحطة وجدته جاء معه باثنين يحملان هذا الاسم، الآخر أحد طلابي تخرج منذ زمن وعين في الشرقية، وقدم الرياض فجاء يزورني، ولما قضيت الصلاة تقدم إلى النائب، فقال له: أنت فهيد السبيعي؟ قال: نعم، قال فإن محمد الفراج قال لي إنك ستصلي العصر فجيئ به معك هناك، فقال: بسم الله أيش درّاه أني سآتي؟ قال ما أدري هكذا قال لي ويريدك ضروري، لكن الغريب أن صفاتك تختلف عما وصف لي! أنت مبطي عنه؟ قال والله تقدر تقول، قال: يمكن تغيرت كبرت اللحية، قال: أنا قادم من سفر اليوم، ويشق علي السفر إلى رماح، قال: هو يقول لابد من حضورك، قال: والله ما كشف الله له ستر غيب مجيئي له إلا لأمر مهم توكلنا على الله، المهم: ركب معه، وبصر به صاحب الموعد فهيد السبيعي، فقال: أين الشيخ؟ قال: تريده ضروري؟ قال: نعم لأمر يهمه فقال العم أبا نمي: يا الله ورانا، لما تقابلنا حل لغز الكرامة وكانت طريفة ورحلة مع الفهيدين ماتعة.

الحكاية الثالثة:

سافرت إلى أمريكا عام ١٤١١لحضور مؤتمر في دترويت، وبلغ إحدى عجائز قرابتي خبر سفري وكان لها ابن مبتعث إلى أمريكا، فقالت لبناتها لما بلغها الخبر الحمد لله سيقابل ابني هناك وينصحهم، فاستغرقن في الضحك وقلن: وهل تظنين أمريكا الزلفي؟ بعد المؤتمر سلم لي جدول الجولة على الطلاب في مدن الساحل الشرقي، لأنه أقرب إلى دترويت التي تقع في شمال الشرق، لكني طلبت تحويل المسار إلى الساحل الغربي لرغبتي في زيارة مدرسة في لوس انجلوس أسسها أحد الأمريكان درس معي في الشريعة، فحول المسار وتمت الجولة، وحان يوم الرجوع ووافق الجمعة ومعلوم أن فارق التوقيت بين ساحلي أمريكا، بين بوسطن ولوس أنجلس ثلاث ساعات، والمدة بالطائرة أربع ساعات إلى نيويورك أو تزيد، فاقترح الشباب التوقف في الوسط وخطبة الجمعة في كلورادو، وفعلا رتب الأمر بقدر، حططنا في كلورادو مررنا الطلبة في دنفر وبولدر وفورت كلنز، الخطبة كانت في دنفر، لما فرغت والتأموا للأسئلة، رأيت شابا منتبذا ينظر من بعيد باستحياء كان بالزي الأمريكي ولكن سحنته وملامحه توحي بأنه من قومنا، ظننته من الشام لبياضه البائن، غير أنه دنا ودنا ثم قلت: تفضل ما عند الأخ؟ قال لي: محمد؟ قلت من محمد؟ قال آل فلان؟ وذكر اسما لا يعرفه إلا خواص القرابة! قلت: ما غيره، عرفت لهجته، ثم توسمت شبهه كوني ما رأيته قبل؟ قلت: فلان؟ قال نعم فكان عناقا حارا، فرحت بصلاته جدا وأخذت بيده وأجلسته جواري في الدرس؟ وبعده خلوت به وأعربت عن سروري وغبطتي به وشجعته وأوصيت الإخوة به، فازداد من الخير قربا، لم يكن هذا الشاب غير ابن العجوز الصالحة، بعد اللقاء سارع واتصل بأمه وأخبرها، فطارت فرحا، ونادت بناتها، وكان لسان حالها "ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون"

الحكاية الرابعة:

أول ما تعينت معيدا في الشريعة في مبناها القديم، كانت عندي المحاضرة بعد الفسحة، ولما عقلت سيارتي بعيدا عن الكلية وزحام البطحاء وترجلت عنها كنت جائعا، فغازلت جوعي روائح المطاعم فزقزقت لها عصافير بطني فقرقرت لها أمعائي، وما كان أمام هذا الجيش من الروائح من جلد فانهزمت سريعا، لكن توقفت هنيهة، وقلت مخاطبا نفسي: فإن دخل عليك طلابك وأنت تأكل مع العمال والطلاب؟ فعصيت هذا الخاطر وقلت: ما أبعد هذه المطاعم عن الكلية! والكلية مطوقة بمطاعم الوجبات وبوفيهات الكبدة وخانات الفوالين، فماالذي يحعل الطلاب يأتون هنا، وإن جاؤوا فكم من مطعم ومطعم وإن دخلوا مطعمي، فكم من فصل وفصل وكم من قاعة وقاعة! ومع ذلك سأبحث عن آمن نقطة وألوذ زاوية، تعوذت من الشيطان ودخلت وجاء الطلب، فإذا بوقع أقدام أمامي مباشرة، رفعت رأسي فإذا هم طلاب القاعة التي أنا عندها بعد قليل، ما فيه فائدة وقع الفأس بالرأس، ضحكت وضحكوا وقلتك تفضلوا يا شباب، أدركوا حرجي ولاذوا فرارا، لكن بعد ماذا، طوال المحاضرة كنت أنا وهم نغالب الضحك، كنت أشرد بنظراتي عنهم وبقية الطلاب لا يعرفون الحكاية.

أكتفي بهذا مما وقع لي، ومما وقع لغيري:

الحكاية الأولى:

جرت لأحد المسؤولين في المعارف هو من قرابتي، وكان في لجنة التعاقد، بعد جولة مضنية في جامعات القاهرة عاد منهكا مساءا، ولما دخل مصعد عمارة السكن: تنهد وقال: أواه لو ينفع المحزون أواه، كان معه في المصعد أحد المصريين فقال له: هذا البيت لمن؟ قال صاحبنا: هذا لمحمود غنيم، قال: بالمناسبة هو والدي، فكان بداية تعارف، القدر جاء به من بين الملايين.

الحكاية الثانية:

كان شاب شامي صالح يعمل في مؤسسة الحرمين الخيرية وتحديدا في رسالة الخير والتي هدى الله بسببها ألوفا كثيرة من الكفر وترك الصلاة، والشرك ودعاء الأموات، والبدعة والخرافات، والفجور والفواحش والمنكرات، والفسوق والعصيان وهابط المجلات، كانت الرسالة شمسا تنشر نورها في أصقاع الأرض.

وفكرتها: أن الشباب يتابعون المجلات المنحرفة ويقتنصون هواة التعارف والمراسلة من الجنسين، فلا يشعر أحدهم في بلده إلا وطرد بريد الحرمين يطرق بابه محتويا أجمل ماتنتج المطابع من كتب ورسائل عقيدة وسلوكا، وبالمجان فلا تسأل عن أثرها الطيب.

رغب هذا الشاب الزواج فذكرت له فتاة في المغرب متميزة جدا لا تريد إلا العفاف، فراسل أهلها وطلبوا حضوره، وفي مطار الرباط، رأى لوحة مرفوعة تحمل اسمه في يد كهل خيل إليه أنه من الفرنجة  وإلى جواره امرأة متبرجة وبينهما فتاة غاطسة في سواد من هامها إلى إبهامها، فاصطحبوه وانصرفوا، إلى دارهم فإذا هم من علية القوم، فتعرفوا عليه وأعجبهم، وتم الزواج، وعاد بزوجته في الطائرة ، وسألها ما منهج أبيك؟ قالت: علماني هداه الله، وأمي مفرطة لكنهما يحترمان الحرية الشخصية وإرادة ورغبة الأولاد، ووالدي مليونير، همه في الدنيا إسعادي، قال سبحان الله: وهل نشأت بينهم؟ قالت: نعم هم أهلي، قال: فكيف أشرق على قلبك النور وسط هذه الدياجير؟ فوجمت برهة ثم اغرورقت عيناها وقالت: والله كنت في غفلة ، وكما قلت: والدي سخر ماله لإسعادي لكن بالشهوات واللهو والغفلة، حتى هبطت علي من السماء رسالة اسمها رسالة الخير فقلبت حياتي، عندها أجهشت بكاء، فلما قلص دمعها قال: وهل تعلمين أني أعمل في هذه الرسالة في مؤسسة الحرمين، فانخرطت في البكاء نوبة أخرى، وانخرط معها كذلك.

الحكاية الثالثة:

خرج مجموعة من الأقارب عيارون يجنون الكمأة في سنة كانت فيها وافرة، وكان أحدهم عنده شيئ من ضعف البصر، فكانوا يتندرون به، فإذا تحينوا غفلته أدخل أحدهم عودا في الأرض فنبشها ليوهمه أنها كمأة فيصيح فرحا ويحفر فلا بجد شيئا ويقول: ما بالكم تجدون ولا أجد شيئا، وهم يتضاحكون، حتى إذا صفوا للصلاة والتفت نبشوا قريبا من موضع سجوده، فلما كبر ووقعت عينه ما شك أنها كمأة ، فتعلقت عينه بها طوال الصلاة، حتى إذا سلم هجم على المكان صائحا وهم يتمايلون ضحكا، حتى إذا حفر المكان وجد أكبر كمأة جنوها، أتراها موافقة، أو أن الله خلقها له!!

هناك تعليق واحد: